الأحد، 26 أكتوبر 2008

القيادة طموح شخصي











إن التكوين البنيوي للإنسان وعملية استيعابه ،وصياغة تصرفه الذاتي ، كثيراً ما يحتاج إلى توجيه ، لأن عملية المعرفة ليست واحدة عند جميع البشر ، فقد يستطيع البعض بفضل تكثيف الجهود الشخصية فهم واقع أكثر دقةًً وصحيةًً، ويحتاج الآخرون للوصول إلى هذه المعرفة فترة ليست بالقصيرة، من هنا تبرز أهمية القيادة في عملية التوجيه القائمة على إعطاء الآخرين السبل الواضحة في المعرفة وفي صياغة واقع أفضل من الحياة المعاشة .
فالقيادة هي العمل على تنمية وعي الآخرين ، وتوجيه هذا الوعي بالاتجاه الأفضل والأسلم من الناحية البنيوية ، وهي الأداة الفعّالة في عملية الإقناع ، وتغيير نمطية الحياة إنها القوة النابعة من صميم الذات والقادرة على إحداث وضع ينسجم مع متطلبات الحياة الحاضرة ، وفهم صيغة المستقبل المقبل ، ولو بقليل من الإشراق والرؤية الواضحة لجعل عملية التوجيه أكثر سهولة وأقوى على الحركة بين الناس. إن القيادة هي عملية تمثل المعرفة الإنسانية ، وتوجيه هذه المعرفة وفق الأسس القيادية القادرة على إعطاء أشكال حياتية جديدة في نوعها ومضمونها ، وهي الأداة في اختيار الأوضاع الإنسانية القائمة والصحيحة وطريقة الحفاظ على هذه الأوضاع . فالقيادة هي صيغة التنوع الكبير في الحياة ، وهي الطرقة اللامحدودة في عملية الخلق والإبداع والتوجيه ، إنها جميع الإمكانيات والطاقة القادرة على إحداث قفزات كبيرة في التاريخ ، تشكل جانباً مشرقاً على الدوام ، وتكون أداةً لفهم واحترام جميع اللاحقين والمساهمين في عملية صياغة المعرفة الإنسانية.
والتاريخ معبأ بالأشكال القيادية المتنوعة في مضامينها وطرائقها في تنمية الملكات الإبداعية . وكانت على الدوام هي الأداة المحركة ذات الطابع الفاعل في إعطاء فعالية المعرفة قوة الاستمرار عبر التشكيلات الاجتماعية، وهي القوة المؤثرة في صياغة مضامين اجتماعية استمرت بفاعلية داخلية في التطور التاريخي ، حيث كان للقيادة الدور العام والمؤثر في عملية تثبيت الأوضاع الاجتماعية . وتحقيق التطور على جميع الأصعدة الحياتية التي يحتاجها الإنسان . وأدت إلى التنوع اللامحدود في الحياة الإنسانية ، وكانت دائماً القوة المحركة للصراعات الداخلية عبر التاريخ بين المفاهيم والأشكال الاجتماعية القائمة ، وصياغة أشكال حياتية تنسجم مع متطلبات الأوضاع التي يفرضها تطور الإنسان ضمن واقعه البيئي .
كما أن القيادة ساهمت وبشكل واسع في إقامة الأنظمة والقوانين التي تربط الناس بعلاقات مع بعضهم البعض ، ومع الواقع الطبيعي الذين يعيشون فيه ، وهي أداة التنظيم والمحافظة على هذه العلاقات والمطورة لها وفق احتياجات تطور الواقع المتشكل .
إن القيادة هي الأسلوب القائم على العلمية في فهم وإدراك جميع المقولات المؤدية إلى إحداث التغيرات الهائلة في المجتمع ، وفي النفس الإنسانية ، وهي الطريقة العلمية في عملية إبداع المستقبل والأنظمة المؤدية إلى التغير فيما يتوافق مع النمو اللاحق للإنسان . ولكي تتخذ القيادة أبعادها الطبيعية عليها أن تتوافق مع الإنتاج الإنساني للحياة . وأن تعمل على إتمام عملية الحياة بالشكل المؤدي إلى استمرار الإنسان بفاعلية داخلية وخارجية تنسجم مع تطور الحياة المتنوعة ، لا في مضامينها فحسب وإنما في عطائها الكبير للمساهمة في بناء إنسان المستقبل .
فالقيادة هي الأسلوب المتميز في الحياة شكلاً ومضموناً ، إنها الديمومة القادرة من الناحية التكوينية لعصر إنسان المستقبل أن تخلِّد ذاتها في مقدرة الإنسان على إحداث النمطية الحياتية وفق المبادئ القادرة على إلغاء مرحلة الانهيار في الصراع الإنساني ، وإلغاء هذا الصراع فيما يحقق طموح إنسان المستقبل وذلك بإعطاء الأبعاد المتوافقة لعملية الانهيار الكبير للمسيرة الإنسانية عندما تتابع طريق الصراع والقتال الدائم.
وعلى القيادة أن تلعب الإمكانية التوافقية لجعل الإنسان غاية في الكمالية ، وإبعاده عن جميع أشكال التناحر المؤدية إلى هزيمة الإنسان عبر التاريخ ، وعلى القيادة أن تتسم بالموسعة التحضيرية لبناء إنسان المستقبل بما يجعله متجاوزاً جميع الخلافات الموروثة من العصور التناحرية على الصعيدين الفكري والمادي ، وبالتالي إعطاء الصيغتين ( الفكرية والمادية ) سمةً بنيوية ، مهامها إعداد الإنسان بالشكل الذي يحقق ذاته ، ويجنبه جميع عمليات الهدم التي تمارس من قبل مجموعة من البشر ضد مجموعة أخرى وسلبها إمكانية الإعداد للمستقبل بعيداً عن الضغوط وكافة أنواع العراقيل ، للحد من نشاط الإنسان وتقويض تبعيته وبالتالي تحقيق الاستقلالية الإنسانية بجوهرها على جميع الأصعدة حتى الفردية، وتصبح المهمة الأساسية للحياة هي التعامل مع معطيات الإنسان لامع الإنسان نفسه ، وإن الإنسان الذي لا يعطي ليس له أي صفة تعاملية ، وبالتالي تحقيق القضية الأكثر قدرة في إمكانية خلق إنسان العطاء الدائم ، وأن يتسم هذا العطاء بالفائدة ليس على المستوى الشخصي فحسب وإنما على كافة المستويات ، وأن يتوافق مع النمو الأمثل والإيجابي للحضارة الإنسانية نفسها ويحقق لها الكفاية التامة .
وعلى القيادة الإنسانية أن تلغي كافة أنواع التآمر والمؤامرات على جميع المستويات ، لأنها تؤدي إلى قمع وإذلال الإنسان بشكل مستمر وتخلق الفوضى وجميع القيم المؤدية إلى تشويه الفكر والفعل الإنساني وخلق التناحر والحروب بين البشر.

ليست هناك تعليقات: